التكيف في الغربة

كيف تصبح الهجرة تجربة أكثر سهولة ومتعة؟

٨ خطوات من أجل التأقلم في الغربة

يتحدث سعود السنعوسي في روايته “ساق البامبو” عن مسألة الجذور والهوية، ويشبّهها بنبات البامبو الذي لا انتماء محدّد له؛ يكفي أن تقتطع جزءًا من ساقه، وتغرسه في أيّ أرض، فلا يطول الأمر قبل أن تنبت له جذور جديدة في موطن جديد.

لا تبدو المقارنة بعيدة بين رحلة البامبو في المواطن المتعددة، وتجربة الاغتراب التي يعيشها ما يقارب ٢٨١ مليون شخصًا حول العالم سواء بدافع الاختيار أو بدافع الضرورة.

تجد نفسك في مجتمع جديد، يطلق عليه لقب المجتمع المضيف، وأنت فيه الضيف. من الممكن أن تبدو الأيام الأولى مشوّقة فعلًا، قبل أن تبدأ مشاعر الارتباك والحنين بالتراكم تباعًا، أو تساورك الشكوك ما إذا كنت ضيفًا مرحّبٌ به أساسًا.

المصدر يتيح إعادة النشر بصفته استعمالا عادلا

مراحل التكيّف في الأماكن الجديدة

يميل الكثير ممّن لم يهاجروا إلى رمسنة تجربة الاغتراب وكأنّها الحلم الورديّ، إلا أنّ عمليّة التكيّف في البلد الجديد ليست بالسلاسة المتوقعة، بل على العكس من ذلك تمامًا. في حين أنّ الشعور بالانتماء في دول الاغتراب يبقى تجربة شخصیّة وفرديّة إلى حدّ بعید، يمرّ التكيّف الثقافيّ غالبًا في أربعة مراحل يشترك فيها جميع المهاجرين باختلاف تجاربهم وظروف هجرتهم.

تسمّى المرحلة الأولى شهر العسل وتنتهي في غضون أسابيع أو أشهرٍ معدودة. تليها المرحلة الثانية وهي الأزمة، ثمّ المرحلة الثالثة التي تبدأ غالبًا بعد ستّة أشهر أو سنة وهي مرحلة التعافي، وأخيرًا المرحلة الرابعة ويطلق عليها مرحلة التوافق.

تختلف هذه المراحل في أعراضها من شخصٍ إلى آخر، وفي مدّتها الزمنيّة أيضًا.

إنفوجراف: كيف تبدو عمليّة التكيّف الثقافيّ؟ . إعداد: نغم ترحيني . المصدر

٨ خطوات عمليّة من أجل التأقلم

يفترض الانتقال إلى بلدٍ جديد التفاعل مع محيط غير مألوف تمامًا من جهة، ومشاعر متراكمة من الفقد والحنين والارتباك من جهة أخرى. وإذ یتطلب الاستقرار في مكان ما شعورًا بالانتماء لھذا المكان، تبقى عمليّة التكيّف شاقّة ومرهقة بالنسبة لكثیرین ممّن تركوا وراءھم ما ھو مألوف ویسعون للبدء من جدید في أرض جدیدة.

إليك ٨ خطوات قد تساعدك في تخطي مشاعر الارتباك والقلق، وربّما الغضب والإحباط، من كونك تعيش في بلد غير بلدك، وبيت بعيدٍ عن بيتك، وناس لا يشبهون ناسًا اعتدتَ وجودهم في يوميّاتك.

من الممكن لشخصٍ لا يمرّ في مثل تجربتك ألا يعترف بحقيقة التحدي العاطفي الذي تمرّ به في المهجر. تذكّر أنّ مشاعرك محقّة دائمًا، وليست مجرّد ردّ فعلٍ مبالغٍ فيه. لماذا؟ لأنّ تجربة الاغتراب لها بعد فرديّ، ولأنّك ببساطة تشعر بهذه المشاعر كلّها في داخلك.

لا تطيل الوقت قبل أن ترتّب أشياءك وحقائب السفر في مكان السكن الجديد؛ إذ غالبًا ما يرتبط الانتهاء من هذه المهمّة بالخطوة الأولى نحو الشعور بالاستقرار وطيّ صفحة التنقّل المستمرّ.

تمهّل ولا تقسو على نفسك بضرورة التأقلم؛ فالتكيّف يكون تدريجيّا، وغالبًا ما يتضمّن طلب المساعدة من المحيطين بك وجهًا لوجه، أو عن بعد.

اخلق عادات يوميّة تشبه عاداتك القديمة كي يبقى لديك هذا الشعور بالاتصال؛ كأن تمارس رياضة المشي صباحًا، أو تشرب القهوة على أنغام فيروز، أو أن تلعب النرد في المساء مع كوب من الشاي الأسود اللذيذ.

لا تتردّد في شراء إناء للزهور إن كنت من محبّي الطبيعة، أو شراء نبات مثل الحبق، أو الصبّار، أو البامبو. تسمح لك هذه التفاصيل الصغيرة أن تجعل  منزلك الجديد أو غرفتك أكثر أنسًا.

في الوقت الذي تبدو الحياة خارج السكن الجديد غير مألوفة، لمَ لا تجعل المكان داخل الجدران التي تعيش بينها أكثر دفئًا ومرحًا؟ أضف أشياء تحفّز استقرارك الذهنيّ وتعطيك شعورًا بالثبات مثل لوحة تعبّر عنك تضعها على الجدار، أو مغناطيس للثلاجة، أو شمعة، أو بخور.

من المهمّ جدا أن تتعرّف على محيطك الخارجيّ والأحياء القريبة من سكنك، لكن الشعور بالتردّد أو الخوف من المجهول قد يعيق هذه الرغبة لديك. يبدو أنّ الاختباء وراء الكاميرا لطالما كان حلا ملائمًا كي يتجوّل المرء في الشوارع من دون أن يبدو ضائعًا، وأنّ الأمور جميعها تحت السيطرة. سيكون من المفيد أن تتلمّس طريقك في الخارج، وسيكون بحوزتك صورًا لطيفة.

لا بأس إن لم تمتلك الأجوبة على جميع تساؤلاتك. لن يكون الأمر سهلا أو مثاليّا في كلّ الأوقات، ولا بأس في ذلك أيضًا. سيتحتّم عليك اتّخاذ بعض الخطوات في البداية لا سيّما في التعرّف على أعراف الثقافة الجديدة وطرقها، لكن ثق أن الوقت سيعمل لصالحك.

في ما يلي حلقة من بودكاست بيت بيوت مع الخبيرة بالإرشاد النفسي صفاء ديّوب، تحدّثنا أكثر كيف يرى الطب النفسي الحديث مسألة الاغتراب وكيفيّة التعامل مع تحدّياتها.

بودكاست بيت بيوت . الانتقال إلى بلد جديد: كيف أتغلّب على المشاعر السلبية؟ . إعداد: نغم ترحيني

الاغتراب واستعادة العادي

لا ينفي هذا الاختلاف في التجارب أن يشترك كلّ مغتربٍ في مسألة إعادة بناء الهويّة الفرديّة بمكوّناتها الجديدة، بما يسمح في نهاية الأمر التعامل مع التحديات العاطفيّة والعقليّة التي تفترضها تجربة الهجرة والاغتراب. في هذا السياق، يبدو أنّ السؤال المحوريّ بالنسبة لأيّ مهاجر يصبح التالي: ما الذي یمكن أن یجعل الغربة أقلّ اغترابًا ممّا ھي علیه؟

شاهد هذا الفيديو الذي يعرض يوميّات مهاجرٍين اثنين هاجرا منذ بضعة سنوات، ومرّا بمراحل التكيّف الأربعة من دون أن يدركا حينها أنّ مشاعر الارتباك في الأماكن الجديدة، ثمّ رحلة التعافي، هي من عمق التجربة أساسًا.