سوق الأعمال في العالم العربيّ على رادار الرقمنة
غالبيّة المستهلكين أصبحوا متّصلين بالإنترنت

دبي – الإمارات العربيّة المتحدة. المصدر: صورة أرشيفيّة مفتوحة المصدر
إذا كنتَ من روّاد الأعمال في المنطقة العربيّة، لا بدّ أنّك تخيّلت يومًا ماذا لو أصبح بإمكانك تحصيل الرخصة التجاريّة الخاصّة بشركتك، وعضويّة غرفة التجارة، وعقد التأسيس المصدّق خلال دقائق، ومن مكانٍ واحدٍ فقط. وإذا كنت صاحب متجر بيعٍ بالتجزئة مثلًا، أنت في صدد تطبيق مجموعةٍ من الحلول التقنيّة لإدارة عملك لا سيّما مع تغيّر سلوك زبائنك بعد أن أصبح الاتصال الفرديّ بالإنترنت على بعد زرّ واحدٍ عبر الهاتف المحمول أو الأجهزة الذكيّة.
قياس التحوّل في العالم العربيّ
منذ نموّ معدّلات الاتصال التجاريّ بالإنترنت وتشابكها مع تطوّر الحلول التقنيّة المختلفة، توجّهت العديد من الدول العربيّة نحو رقمنة اقتصادها في القطاعين العام والخاص. لم يمضِ وقت طويل منذ انتشار العديد من التطبيقات التي تقدّم خدمات إلكترونيّة استباقيّة -وإنْ بشكلٍ متفاوت – على غرار “باشر” في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، و“سند” في الأردن، و“أبشر” في المملكة العربيّة السعوديّة، وهي تطبيقات حكوميّة. أمّا التطبيقات في القطاع الخاص ففي ازدياد هي الأخرى مثل تطبيق تمارا للحلول التقنيّة الماليّة، أو خدمات يونيفونك للحلول التقنيّة السحابيّة، وغيرها الكثير.
يبدو أنّ قطاع الأعمال بمختلف مجالاته سيبقى لوقتٍ طويلٍ من أكثر القطاعات تأثّرًا بالتحوّل الرقميّ الذي يشهده عالمنا اليوم. إذْ لم تعد الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قطاعًا قائمًا بحدّ ذاته، بل أصبحت جزءًا محوريًّا في كلّ القطاعات الإنتاجيّة الحكوميّة والخاصّة على حدّ سواء. يضع هذا التداخل المتنامي بين التكنولوجيا وحياتنا اليوميّة الدول عمومًا أمام ضغوطٍ كبيرة لتحقيق تكيّف سريع مع المشهد المتغيّر لإنجاز الأعمال بشكلٍ عام، وتحقيق مستويات تنافسيّة عالميّة تخدم السير باتجاه دولٍ منتجة ومستقرّة.
أمّا الحديث عن التحدّيات فلا يستوي من دون الإشارة إلى الفرص أيضًا؛ والرقمنة التي أصبحت عند أطراف أصابعنا قدّمت بالفعل فرصًا غير محدودة من أجل القيام بالأعمال بفعاليّة أكبر من جهة، وفهم أعمق لتجربة المستهلك من جهة أخرى. نتناول في هذه القصّة الخبريّة الاتجاهات الحاليّة لتكنولوجيا المعلومات وتأثيرها على رقمنة الاقتصاد، والمتوقّع نموّها خلال السنوات القادمة لا سيّما في المنطقة العربيّة.
دول الخليج تتصدّر الأعمال الذكيّة
تصدّرت الدول الخليجيّة لائحة الدول العربيّة من حيث إجمالي مستخدمي الإنترنت، بنسبة اختراق فاقت 85% من عدد السكان المتّصلين بالإنترنت. توضّح الخريطة أدناه (الشكل 1) توزيع السكان المتصلين بالإنترنت في العالم العربي بالنسبة المئويّة خلال سنة 2019، حيث جاءت البحرين في المركز الأول، وتلتها قطر في المركز الثاني، ثمّ الكويت، ومن بعدها الإمارات العربيّة المتّحدة، والمملكة العربيّة السعودية، وعمان.

شكل (1) خريطة توضّح توزيع السكان المتصلين بالإنترنت في العالم العربي في سنة 2019 بالنسبة المئويّة – المصدر: البنك الدولي
في الوقت الذي يتغيّر فيه سلوك المستهلكين كنتاجٍ ضروريّ لعمليّة التحوّل الرقمي في الدول، انعكس نموّ الإقبال الفردي على الإنترنت ارتفاعًا في مؤشّر سهولة القيام بالأعمال ضمن القطاع الخاص في الخليج، كما في دولٍ عربيّة أخرى مثل المغرب، وتونس، والأردن بالإضافة إلى الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة (الشكل 2).

شكل (2) رسم بياني يوضّح متوسّط سهولة ممارسة الأعمال في العالم العربي بين عامي 2015 و2019 – المصدر: البنك الدولي
قد تبدو الحلول الذكيّة للتواصل مع أصحاب العمل أو العملاء معقّدة إنْ على المستوى التقنيّ، أو على مستوى الوقت الذي تتطلبّه في التجربة واعتماد المناسب منها لطبيعة النشاط التجاريّ والعملاء المستهدفين. من المفيد في هذا الصدد الإشارة إلى أنّ الكثير من أدوات التحليل الذكيّ والممارسات التجاريّة الرقميّة لا تحتاج إلى خلفيّة تقنيّة عميقة. يمكن بالفعل إدماج التكنولوجيا الجديدة بسهولة في الأنظمة التي المستخدمة أساسًا، والوصول بنقرة واحدة إلى هذه الخدمات على مختلف قنوات التواصل المستحدثة مثل الهواتف الذكيّة، والتطبيقات، والمنصّات الإلكترونيّة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ.
صحيح في هذا السياق أنّ الدول ذات النسب الأعلى من مستخدمي الإنترنت في العام 2019 هي نفسها التي تصدّرت مؤشّر سهولة ممارسة الأعمال، إلا أنّ المعدّل الأكبر في نسبة التغيير من حيث سهولة القيام بالأعمال منذ العام 2015 حتى العام 2019 شهدته دول لا يزال ينمو فيها “الاتصال الذكيّ” وإنْ بوتيرة أبطأ مثل جيبوتي، وموريتانيا، والجزائر، وجمهورية مصر العربية (الشكل 3)، وهذا الأمر إن دلّ على شيء فهو التحوّل المتسارع لسوق الأعمال نحو الرقمنة.

شكل (3) رسم بياني يوضّح تطوّر مؤشّر سهولة القيام بالأعمال في العالم العربي بين عامي 2015 و2019 بالنسبة المئويّة – المصدر: البنك الدولي
يطول الحديث عن الاتجاهات الحاليّة والمستقبليّة في ما يتعلّق برقمنة الاقتصاد، إلّا أنّ أهمّ هذه الاتجاهات وأكثرها ارتباطًا بقنوات التواصل المستحدثة تكمن في التوجّه نحو مزيد من الأتمتة، والتخصيص، والاستفادة من البيانات بشكلها الرقميّ.